4 - إرهاصات نبوته صلى الله عليه وسلم:
ومن إرهاصات نبوته صلى الله عليه وسلم تسليم الحجر عليه قبل النبوة، فعن جابر بن سَمُرَة قال:
_________
(1) انظر: صحيح السيرة النبوية ص146.
(2) السيرة النبوية، للندوي (ص 58، 59)، ونقلها عنه صاحب الأساس في السنة (1/ 180، 181).
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إني لأعرف حجرًا بمكة كان يسلم علي قبل أن أبعث، إني لأعرفه الآن» (1). ومنها الرؤيا الصادقة وهي أول ما بدئ له من الوحي فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح (2).
وحبب إليه صلى الله عليه وسلم العزلة والتحنث (التعبد) فكان يخلو في غار حراء وهو جبل يقع في الجانب الشمالي الغربي من مكة، ويتعبد فيه الليالي ذوات العدد، فتارة عشرة, وتارة أكثر من ذلك إلى شهر، ثم يعود إلى بيته فلا يكاد يمكث فيه قليلا حتى يتزود من جديد لخلوة أخرى، ويعود الكرة إلى غار حراء، وهكذا إلى أن جاءه الوحي وهو في إحدى خلواته تلك (3).
* * *
_________
(1) مسلم في الصحيح، كتاب الفضائل، باب فضل نسب النبي وتسليم الحجر عليه قبل النبوة رقم 2277.
(2) البخاري، كتاب بدء الوحي رقم 3.
(3) انظر: فقه السيرة النبوية للبوطي ص60.
الفصل الثاني
نزول الوحي والدعوة السرية
المبحث الأول
نزول الوحي على سيد الخلق أجمعين صلى الله عليه وسلم
كان النبي صلى الله عليه وسلم قد بلغ الأربعين من عمره وكان يخلو في غار حراء بنفسه، ويتفكر في هذا الكون وخالقه، وكان تعبده في الغار يستغرق ليالي عديدة حتى إذا نفد الزاد عاد إلى بيته فتزود لليالٍ أخرى (1)، وفي نهار يوم الاثنين من شهر رمضان جاءه جبريل بغتة لأول مرة داخل غار حراء (2)، وقد نقل البخاري في صحيحه حديث عائشة رضي الله عنها، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: «أول ما بدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصالحة في النوم، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فَلَق الصبح، ثم حبب إليه الخلاء، وكان يخلو بغار حراء، فيتحنث فيه -وهو التعبد- الليالي ذوات العدد، قبل أن ينزع إلى أهله ويتزود لذلك، ثم يرجع إلى خديجة فيتزود لمثلها، حتى جاءه الحق وهو في غار حراء، فجاءه الملك فقال: اقرأ، قال: «ما أنا بقارئ» قال: فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني قال: اقرأ، فقلت: «ما أنا بقارئ» فأخذني فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني فقال: اقرأ فقلت: «ما أنا بقارئ» فأخذني فغطني الثالثة ثم أرسلني فقال: (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ) [العلق: 1: 4] فرجع بها رسول الله صلى الله عليه وسلم يرجُف فؤاده، فدخل على خديجة بنت خويلد فقال: «زملوني! زملوني» فزملوه حتى ذهب عنه الرَّوع، فقال لخديجة وأخبرها الخبر: «لقد خشيت على نفسي» فقالت خديجة: كلا والله ما يخزيك الله أبدًا، إنك لتصل الرحم، وتحمل الكل (3) وتكسب المعدوم (4)،وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق (5)، فانطلقت به خديجة، حتى أتت به ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى, ابن عم خديجة، وكان امرأً تنصر في الجاهلية، وكان يكتب الكتاب العبراني، فيكتب
لمعرفة المزيد
https://www.withprophet.com/ar/إرهاصات-النبوة_2670